مما لاشك فيه أن للصيام ثوابا كبيرا، وأجرا وافر، فالصيام والقرآن يشفعان للإنسان يوم القيامة «يقول الصيام أى رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعنى فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعنى فيه فيشفعان» رواه أحمد فلأهمية الصيام، ولمنزلة شعبان كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصوم أكثر شهر شعبان.

قالت السيدة عائشة رضى الله عنها: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته فى شهر أكثر منه صياما فى شعبان» رواه البخارى ومسلم.


ولمعرفة الحكمة من كثرة صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شهر شعبان فورد هذا الحديث: عن أسامة بن زيد رضى الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟


قال: «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال الى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملى وأنا صائم» رواه أبو داود فى النسائى، وصححه ابن خزيمة.


ويتضح من هذا الحديث ان حكمة تخصيص الرسول صلى الله عليه وسلم شهر شعبان بكثرة الصيام تتلخص فى أمرين:


أما الأمر الأول: فهو شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، ولا شك فى ان العبادة فى أوقات الفضلة تكون أكثر ثوابا وتكون لها أهميتها بدلالتها على الاخلاص وزيادة التقرب الى الله تعالي، ولذا كان لصلاة الليل وهى فى وقت الغفلة ونوم الناس أكبر الأثر وعظيم الثواب«فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون»، وأما بالنسبة للأمر الثانى فى الحكمة من اختصاص شهر شعبان بالعبادة فذلك لأنه شهر ترفع فيه الأعمال الى رب العالمين« وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك معربا أنه يحب ان يرفع عمله وهو صائم.


وهكذا نرى أن لشهر شعبان منزلة كريمة وضحها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضح السبب فى كثرة صيامه فى هذا الشهر.


ومن أجل ذلك كان على المسلمين ان يغتنموا ايام هذا الشهر بالعبادة وبالتقرب الى الله سبحانه وتعالى بسائر العبادات وخاصة عبادة الصيام، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وجهنا القرآن الكريم الى الاقتداء به حيث قال رب العزة سبحانه وتعالي: «لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا».


وعلى من لم يتعود صياما معينا بعد منتصف شعبان لا يصوم، لأنه إذا انتصف شعبان فلا صيام، إلا فى حالة ما إذا كان الانسان متعودا صياما معينا، كمن تعود ان يصوم يوما ويفطر يوما، أو من تعود ان يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس من كل شهر فله ان يصوم بعد نصف شعبان أما إذا لم يتعود صياما معينا فلا يصوم، وذلك للاستعداد لشهر رمضان المبارك.


وفى شهر شعبان من الله سبحانه وتعالى على عباده بليلة مباركة من ليالى استجابة الدعاء وهى ليلة النصف من شهر شعبان كما جاء فى بعض الأحاديث الشريفة الصحيحة التى تحث على قيام ليلها وصوم نهارها، لان لربنا فى ايام دهرنا نفحات فينبغى ان نتعرض لها وذلك بالعبادة والتقرب الى الله سبحانه وتعالى ،وفى هذه الليلة ـ على أرجح الآراء ـ تحولت القبلة من بيت المقدس الى الكعبة المشرفة، إرضاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كان الرسول عليه الصلاة والسلام، يقلب وجهه فى السماء متمنيا ان يحول الله القبلة الى الكعبة المشرفة، فكان يكتفى بأن يقلب وجهه فى السماء، ولكنه لم يتلفظ بشىء مخافة أن يكون ما يطلبه مخالفا لمراد الله تعالي، فأدبا وتواضعا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكتفى بأن يقلب وجهه دون طلب.


فأجاب الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم وحول القبلة من بيت المقدس الى الكعبة المشرفة، وأنزل الله تعالى قوله:


«قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة نرضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره».


ولفضل شهر شعبان ومكانته اختصه الرسول صلى الله عليه وسلم بمزيد من صيام أيامه تطوعا، لان عبادة الصيام لا مثيل لها فى كثرة الثواب والأجر.


عن أبى أمامة رضى الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: مرنى بعمل يدخلنى الجنة قال: «عليك بالصوم فإنه لا عدل له»، ثم أتيته الثانية فقال: «عليك بالصيام» رواه أحمد والنسائى والحاكم وصححه.


وهكذا نرى ان لشهر شعبان فضلا عظيما وثوابا كريما، لمن يصوم لله فيه، ولمن يتقرب الى الله سبحانه وتعالى ويدعوه.


ولا شك فى ان التقرب الى الله تعالى والدعاء مطلوبان فى كل وقت وحين ولكنه فى الأوقات المباركة والتى اختصها الله سبحانه ببعض الخصوصيات وأنزل فيها ماشاء من الفيوضات لاشك فى أن زيادة العبادة والدعاء فيها يكون أرجى للقبول، وفيها أعظم مأمول ومن أجل ذلك خص الرسول صلى الله عليه وسلم شهر شعبان بمزيد من الصيام وهو أزكى العبادات وأسماها، لانه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال الى رب العالمين سبحانه وتعالي.


وما أحوجنا الى اغتنام الأيام المباركةوالاقبال على رب العالمين فيها بقلوب مخلصة، وتوبة نصوح، ودعاء نتوجه به الى رب العالمين، ونحن موقنون بالاجابة لان رب العزة سبحانه وتعالى أمرنا بالدعاء فى كل وقت وحين ووعدنا بالإجابة فى القرآن الكريم، حيث قال الله جل وعلا: «وقال ربكم ادعونى استجب لكم» فما بالنا حين يكون الدعاء فى مواسم الرحمات وأوقات الفيوضات؟ لا شك انه يكون أرجى للقبول.



المصدر : الأهرام 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Top