لقد خلق الله تعالى الإنسان وأودع فيه الشهوات وأعطاه حرية الاختِيار ووهبه عقلاً ، ليكون ميزاناً لحركته في الحياة ، وأعطاه ميزاناً مهيمنًا هو الشرع ، فأرْسَل الأنبِياء ومعهم الكتُب ، ومع كل هذا وضع الإنسان كل شيء وراء ظهره وانطلق بدافع من شهواته بِلا منهج وبلا هدى وبلا كتاب منير فَفَسَد ، ومن مُقْتضَيات حياة الإنسان أنّ فساده مُحْتَمَل لِذلك هَيَّأ له شِفاءين ، هَيّأ له القرآن الكريم شِفاءً لِنَفْسِه وهيَّأ له الأدوِية شِفاءً لِجِسْمِه ، فالمرض في الأصل ما هو إلا خروج عن منهج الله عز وجل .

فهناك أمراض القلب كالضغينة والحِقد والكِبر والكراهِيَة والأَثَرَة والجحود والإجحاف ، وأمراض القلب ما هي في الحقيقة إلا أعراض لِمَرَضٍ واحِد ألا وهو الإعراض عن الله تعالى .
كذلك هذا الجسم حينما يُخالِف منهج الله عز وجل المُتَمَثِّل بِتوْجيهات النبي عليه الصلاة والسلام في التعامل مع الجِسم يمرَض ، وما خلق الله داءً إلا وخلق له دواءً .
والشيء الذي ينبغي أن يكون واضِحاً أن أمراض القلب أخطر من أمراض الجِسم لأن أمراض الجسد مهما تفاقَمَت ومهما كانت خطيرةً تنتهي عند الموت ، والموت يُنْهي كل ما له علاقة بالجسم ، ويُنْهي المرض ويُنْهي الصِّحة ويُنْهي القوة ويُنْهي الضعف ويُنْهي الغِنى ويُنْهي الفقر والوَساَمة والدمامة والذكاء والغباء ، يُنْهي كل شيء ، إلا أن أمراض النفسِ خطورتُها تبدأ بعد الموت ومن هنا قال الله عز وجل :
يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ .
ومن الأحاديث التي هي أصل في الشفاء ما رواه جَابِر رضي الله عنه: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَل .
فلو سمِع هذا الحديث طبيب ولم يهتدِ إلى تشخيص بعض الأمراض فإنه يتّهم نفسه بالتقصير ، فكأن هذا الحديث يدفع العلماء والأطباء والمخترعين إلى البحث عن الدواء ، فإذا سمع هذا الحديث أيُّ مريض امتلأ قلبه أمَلاً بالله عز وجل أن يشفيه ، فما من داءٍ خلقه الله إلا وخلق له دواء .
فإذا وُفِّق الطبيب إلى تشخيص المرض أولاً ثم وُفِّق إلى اخْتِيار الدواء المناسب ثانِياً برِئ المريض من دائه ولكن لابُدَّ من أن يأْذَن الله عز وجل .
وقد ورد ذِكْر الشِّفاء في مواطِن كثيرة من كتاب الله فقال تعالى في سورة التوبة :
قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ
معنى ذلك أنّ المؤمن حينما ينتصِر الحق ويعْلو ، وحينما يسقط الباطل ويُغْلَب ، تَرْتاح نفسُه وهذه هي فِطْرة الإنسان السّليمة .
ورمضان شفاء للنفوس حين تحسن صلتها بربها فهو دورة روحية مكثفة ، وهو شفاء للأجسام لأنه دورة صحية علاجية وقائية كما يثبت الطب الحديث .

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Top