خطبة الجمعة أيام العيد ، وخطبة عيد الفطر .. مكتوبة الْحَمْدُ للهِ كَثِيراً، وَاللهُ أَكْبَرُ كَبِيراً، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ، الْحَمْدُ للهِ مَا تَكَوَّرَ اللَّيْلُ عَلَى النَّهَارِ، وَمَا أَظْلَمَ اللَّيْلُ وَأَسْفَرَ الإِسْفَارُ، وَالْحَمْدُ للهِ عَدَدَ قَطْرِ الأَمْطَارِ، وَجَرَيَانِ الأَنْهَارِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ،

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَعَلَى رَفِيقِهِ أَبِي بَكْرٍ فِي الْغَارِ، وَعَلَى عُمَرَ فَاتِحِ الأَمْصَارِ، وَعَلَى عُثْمَانَ شَهِيدِ الدَّارِ، وَعَلَى عَلِيٍّ الْفَارِسِ الْكَرَّارِ، وَعَلَى جَمِيعِ الآلِ وَالصَّحْبِ الأَخْيَارِ، وَمَنِ انْتَهَجَ نَهْجَهُ الْهَادِيَ وَاقْتَفَى تِلْكَ الآثَارَ.


أَمَّا بَعْدُ:
إِنَّهَا كَلِمَةٌ تُجَلْجِلُ مِنَ الْمَآذِنِ فَتَخْتَرِقُ الآذَانَ، كَلِمَةٌ فُتِحَتْ بِهَا الْمَدَائِنُ وَاسْتَسْلَمَتْ لَهَا بُلْدَانٌ، كَلِمَةٌ لَوْ عَقَلْنَاهَا لَتَحَرَّكَتْ مِنْهَا الْمَشَاعِرُ وَاهْتَزَّ لَهَا الْوِجْدَانُ، كَلِمَةٌ تُشْعِرُكَ بِحَقَارَةِ كُلِّ مُتَعَاظِمٍ أَمَامَ عَظَمَةِ الرَّحْمَنِ، بِهَا يُدْعَى إِلَى الصَّلاَةِ، وَبِهَا نَسْتَفْتِحُ صَلاَتَنَا، وَبِهَا نَخْتِمُ صِيَامَنَا وَنَسْتَقْبِلُ عِيدَنَا.
هِيَ قَرِينَةُ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ التَّذْكِيَةِ، وَتُقَالُ عِنْدَ الْجَمَرَاتِ وَفِي صَعِيدِ عَرَفَاتٍ، وَعِنْدَ مُحَاذَاةِ الْحَجَرِ الأَسْوَدِ، وَعِنْدَ إِرَادَةِ السَّفَرِ، تُقَالُ أَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ، وَفِي الأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ، تُقَالُ عِنْدَ الرُّقَادِ، وَتُشْرَعُ لَيَالِيَ الأَعْيَادِ.
إِنَّهَا (اللهُ أَكْبَرُ)، كَلِمَةٌ تَعْنِي: أَنَّ اللهَ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ؛ ذَاتاً وَقَدْراً وَعِزَّةً وَجَلاَلَةً، إِنَّهَا كَلِمَةٌ تَعْنِي أَنَّ اللهَ هُوَ الأَكْبَرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَالْغَنِيُّ عَلَى الإِطْلاَقِ، وَهُوَ الَّذِي فَاقَ مَدْحَ الْمَادِحِينَ وَوَصْفَ الْوَاصِفِينَ، وَهُوَ ذُو الْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ؛ الَّذِي يَتَصَاغَرُ أَمَامَهُ الْكُبَرَاءُ وَالْعُظَمَاءُ، وَهُوَ الْقَائِلُ عَنْ نَفْسِهِ عَزَّ وَجَلَّ: )وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(  [الجاثية:37]، )عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ( [الرعد:9]، )ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ(  [سبأ:23]، )فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ( [غافر:12]، وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ t  عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: «جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلاَّ رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ س قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ» [أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ].
وَاللهُ أَكْـبَرُ  ظَـاهِرٌ  مَـا  فَوْقَـــــهُ      شَيْءٌ  وَشَأْنُ اللهِ  أَعْـظَــمُ  شَـانِ
وَاللهُ أَكْـبَرُ  عَـرْشُـهُ وَسِعَ  السَّمَـا      وَالأرْضَ  والْكُرْسِيَّ ذَا الأرْكَـانِ
وَكَذَلِكَ الْكُرْسِيُّ قَدْ وَسِــعَ  الطِّبَا       قَ السَّبْـعَ  وَالأَرَضِينَ  بِالْبُرْهَـانِ
وَالرَّبُّ فَوْقَ الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ لاَ      يَخْفَـــى عَلَيْـهِ خَوَاطِـرُ الإِنْسَـــانِ
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
عِبَادَ اللهِ:
ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ؛ الَّذِي تَحَطَّمَ الْجَبَلُ مِنْ تَجَلِّيهِ، وَتَهْبِطُ الْحِجَارَةُ مِنْ خَشْيَتِهِ، )فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا( [الأعراف:143]، )تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا( [مريم:90]، وَتُسَبِّحُ الْمَلاَئِكَةُ تَنْزِيهاً لَهُ وَتَعْظِيماً، وَكُلُّ مَا فِي الْكَوْنِ شَاهِدٌ عَلَى عَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ؛ تَنَزَّهَ عَنِ الصَّاحِبَةِ وَالشَّرِيكِ، وَتَعَالَى أَنْ يَكُونَ لَهُ وَالِدٌ أَوْ وَلَدٌ أَوْ مَثِيلٌ؛ فَلِذَا كَانَ لِزَاماً عَلَيْنَا أَنْ نُكَبِّرَهُ وَنُجِلَّهُ، كَمَا أَمَرَ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ: )وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا( [الإسراء:111]، قَالَ الْخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ t: «قَوْلُ الْعَبْدِ اللهُ أَكْبَرُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: «قَوْلُهُ )وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا( أَيْ: عَظِّمْهُ عَظَمَةً تَامَّةً، وَيُقَالُ: أَبْلَغُ لَفْظَةٍ لِلْعَرَبِ فِي مَعْنَى التَّعْظِيمِ وَالإِجْلاَلِ: اللهُ أَكْبَرُ، أَيْ: صِفْهُ بِأَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ».
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ:
لِزاماً عَلَيْنَا أَنْ نُتْبِعَ التَّكْبِيرَ الْقَوْلِيَّ الَّذِي تُعَطَّرُ بِهِ الأَفْوَاهُ: بِالتَّكْبِيرِ الْمَعْنَوِيِّ الَّذِي هُوَ قُوتُ الْقُلُوبِ وَالأَرْوَاحِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ اللهُ تَعَالَى أَكْبَرَ شَيْءٍ فِي حَيَاتِنَا:
فَإِذَا شَعَرْتَ -أَيُّهَا الإِنْسَانُ- بِزَهْوٍ فِي نَفْسِك، وَتَعَاظُمٍ فِي قَلْبِكَ، وَتَفَاخُرٍ فِي مَالِكَ وَشَأْنِكَ؛ فَتَذَكَّرْ: أَنَّ اللهَ أَكْبَرُ، وَأَنَّ أَوَّلَكَ نُطْفَةٌ مَذِرَةٌ، وَآخِرَكَ جِيفَةٌ قَذِرَةٌ، قَالَ الْخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ t: «عَجَباً لاِبْنِ آدَمَ تَقْتُلُهُ شَرْقَةٌ، وَتُقْلِقُهُ بَقَّةٌ، وَتُنْتِنُهُ عَرْقَةٌ، فَكَيْفَ يَتَكَبَّرُ؟!».
وَإِذَا اسْتَوْلَتْ عَلَيْكَ -أَيُّهَا الإِنْسَانُ- شَهَوَاتُكَ، وَاسْتَسْلَمْتَ لِنَزَوَاتِكَ، وَرَكَنْتَ إِلَى رَغَبَاتِكَ؛ فَوَقَعْتَ فِيمَا حَرَّمَ اللهُ؛ أَوْ تَكَاسَلْتَ عَنْ أَدَاءِ شَعَائِرِ اللهِ، فَتَذَكَّرِ: (اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ).
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ تَنْبعِثُ عَلَى لِسَانِ كُلِّ مُؤَذِّنٍ؛ لِتُعْلِنَ لَكَ: أَنَّ اللهَ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ مِنْ نَفْسِكَ الأَمَّارَةِ، وَهَوَاكَ الَّذِي جَعَلَتْهُ إِلَهاً، فَأَجِبْ نِدَاءَ الْعَظِيمِ الأَكْبَرِ، وَلاَ تَسْتَسْلِمْ لِلْهَوَى وَتَسْتَكْبِرْ.
إِذَا اشْتَدَّتِ الأَزَمَاتُ، وَتَوَالَتِ النَّكَبَاتُ، وَتَتَابَعَتِ الضَّرَبَاتُ، وَعَمَّ الشُّعُورُ بِالْيَأْسِ، جَاءَتِ (اللهُ أَكْبَرُ)؛ لِتَبْعَثَ التَّفَاؤُلَ وَالثِّقَةَ بِاللهِ، فَتَتَحَوَّلَ الْهَزيِمَةُ إِلَى نَصْرٍ، وَالْيَأْسُ إِلَى أَمَلٍ، وَيَنْقَلِبَ الذُّلُّ إِلَى عِزٍّ، فَهَاهُمْ إِخْوَانُكُمْ فِي الشَّامِ الْمُبَارَكَةِ، عَلَّقُوا آمَالَهُمْ بِالْعَلِيِّ الْكَبِيرِ، فَسَهُلَ عَلَيْهِمْ كُلُّ عَسِيرٍ، فَتَسَارَعَ شَمْلُهُمْ يَجْتَثُّ الْبَاغِيَ؛ شِعَارُهُمْ (بِاسْمِ اللهِ، وَاللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْعِزَّةُ).
اللهُ أَكْبَرُ قَدْ  مَضَوْا  مَا هَمَّهُمْ        أَنَّ الرَّدَى فِي كُـلِّ شِبْرٍ يَجْثِــمُ
اللهُ  أَكْبَرُ  وَالنُّفُـــوسُ  أَبِيَّــةٌ        شَعْبٌ إِلَـى عَلْيَائِــــهِ  يَتَقَـــــدَّمُ
أَحْفَادُ  خَالِدٍ لاَ تَكِلُّ زُنُودُهُــمْ        رَجَمُوا الْعِدَى بِحِجَارَةٍ لاَ تَرْحَمُ
وَسَلَفُهُمْ فِي ذَلِكَ خَيْرُ مَنْ مَشَى عَلَى الأَرْضِ، وَذَادَ عَنِ الدِّينِ وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ - صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ- فَفِي فَتْحِ خَيْبَرَ قَالَ أَنَسٌ t: فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ؛ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ؛ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ»، قَالَهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]، وَفِي خَبَرِ الْجَيْشِ الَّذِي يَغْزُو الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ آخِرَ الزَّمَانِ قَالَ النَّبِيُّ r: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَغْزُوَهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ بَنِي إِسْحَقَ، فَإِذَا جَاءُوهَا نَزَلُوا فَلَمْ يُقَاتِلُوا بِسِلاَحٍ، وَلَمْ يَرْمُوا بِسَهْمٍ، قَالُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، فَيَسْقُطُ أَحَدُ جَانِبَيْهَا، قَالَ ثَوْرٌ: لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ قَالَ: الَّذِي فِي الْبَحْرِ ثُمَّ يَقُولُوا الثَّانِيَةَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، فَيَسْقُطُ جَانِبُهَا الآخَرُ، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّالِثَةَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، فَيُفَرَجُ لَهُمْ فَيَدْخُلُوهَا فَيَغْنَمُوا» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعاً].
تَقُوهُ أَيُّهَا  الْفِتْيَانُ  إِنِّـــي      رَأَيْتُ اللهَ قَدْ غَلَبَ الْجُدُودَا
رَأَيْتَ اللهَ أَكْبَرَ كُلِّ شَيْءٍ      مُحَاوَلَـةً وَأَكْـثَرَهُ  جُنُـــودَا
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
إِخْوَةَ الإِيمَانِ:
إِنَّ أَمَارَةَ تَعْظِيمِ اللهِ وَإِكْبَارِهِ، وَتَوْقِيرِهِ وَإِجْلاَلِهِ: تَعْظِيمُ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَالتَّوَاضُعُ لِخَلْقِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: «تَعْظِيمُ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ نَاشِئٌ عَنْ تَعْظِيمِ الآمِرِ وَالنَّاهِي؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى ذَمَّ مَنْ لاَ يُعَظِّمُ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، فَقَالَ: )مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا( [نوح:13]، وَعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ س قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلاَ يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ»، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t عَنْ رَسُولِ اللهِ r أَنَّهُ قَالَ: «مَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ»  [أَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ]، وَمَنْ لَمْ يُعَظِّمْ أَمْرَ اللهِ جَلَّ جَلاَلُهُ، وَلَمْ يَتَوَاضَعْ لِعِبَادِهِ؛ أَصَابَتْهُ الذِّلَّةُ وَالضَّلاَلَةُ، فَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ t «أَنَّ رَجُلاً أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ r بِشِمَالِهِ فَقَالَ: «كُلْ بِيَمِينِكَ»، قَالَ لاَ أَسْتَطِيعُ، قَالَ: «لاَ اسْتَطَعْتَ»، مَا مَنَعَهُ إِلاَّ الْكِبْرُ، قَالَ: فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ]، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ س أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ يَمْشِي فِي بُرْدَيْهِ قَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ، فَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ الأَرْضَ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا [أَيْ: يَسُوخُ فِي الأَرْضِ] إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
أُمَّةَ الإِجْلاَلِ وَالتَّكْبِيرِ:
تَكْبِيرُ اللهِ تَعَالَى فَضِيلَةٌ؛ فُضِّلَتْ بِهَا هَذِهِ الأُمَّةُ عَلَى سَائِرِ الأُمَمِ، وَوَصْفٌ وُصِفَتْ بِهِ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ كَمَا نَقَلَ أَصْحَابُ السِّيَرِ وَدَلاَئِلِ النُّبُوَّةِ عَنْ زَبُورِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي وَصْفِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ r: «أَنَّهُمْ يُسَبِّحُونَ اللهَ تَعَالَى عَلَى مَضَاجِعِهِمْ، وَيُكبِّرُونَهُ سُبْحَانَهُ بِأَصْوَاتٍ مُرْتَفِعَةٍ»، يَقُولُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ: «وَهَذِهِ الصِّفَاتُ إِنَّمَا تَنْطَبِقُ عَلَى صِفَاتِ مُحَمَّدٍ r وَأُمَّتِهِ؛ فَهُمْ يُكَبِّرُونَ اللهَ بِأَصْوَاتٍ مُرْتَفِعَةٍ؛ فِي أَذَانِهِمْ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَهَذَا التَّكْبِيرُ يَمْلأُ الدُّنْيَا مِنْ شَرْقِهَا إِلَى غَرْبِهَا».
فَحَرِيٌّ بِكُمْ -أُمَّةَ مُحَمَّدٍ r- أَنْ تَكُونُوا أَهْلاً لِهَذَا الْوَصْفِ الْجَلِيلِ، فَتُكَبِّرُوا اللهَ تَعَالَى قَوْلاً وَعَمَلاً؛ وَاعْتِقَاداً وَسُلُوكاً وَمَقْصِداً، وَتَمْتَثِلُوا أَمْرَهُ كَمَا أَمَرَ، فَهُوَ السَّبِيلُ إِلَى الشُّكْرِ وَالظَّفَرِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: )وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ( [البقرة:185].
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْعِيدِ، وَثبَّتَنَا عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ الرَّشِيدِ، وَأَلْحَقَنَا بِكُلِّ بَرٍّ سَعِيدٍ، أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ خَيْرُ الْغَافِرِينَ وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
الْخطبة الثّانية
الْحَمْدُ للهِ حَمْداً طَيِّباً كَثِيراً مُبَارَكاً فِيهِ؛ كَمَا أَمَرَ، وَالشُّكْرُ لَهُ؛ وَقَدْ تَأَذَّنَ بِالزِّيَادَةِ لِمَنْ شَكَرَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ الْعَزِيزُ الْمُقْتَدِرُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الشَّافِعُ الْمُشَفَّعُ فِي الْمَحْشَرِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ السَّادَةِ الْغُرَرِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الْعَرْضِ الأَكْبَرِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَهَا أَنْتُمْ -عِبَادَ اللهِ- تَنْعَمُونَ الْيَوْمَ بِعِيدِ الْفِطْرِ الْمُبَارَكِ، بَعْدَ شَهْرٍ قَضَيْتُمُوهُ فِي طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى وَتَبَارَكَ، فَلْتَسْتَمِرُّوا عَلَى هَذَا السَّبِيلِ إِلَى يَوْمِ الْمُنْقَلَبِ وَالرَّحِيلِ؛ حَتَّى تَفِدُوا إِلَى الْمَوْلَى الْجَلِيلِ؛ فَتَنْعَمُوا بِالْجَنَّةِ دَارِ الْقَرَارِ، وَتُنَادَوْا فِيهَا: )سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ(  [الرعد:24]، فَمَا أَجْمَلَ الطَّاعَةَ تَعْقُبُهَا الطَّاعَاتُ! وَأَكْرِمْ بِالْحَسَنَاتِ تَتْلُوهَا الْحَسَنَاتُ! وَلاَ أَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ إِتْبَاعِ الشَّهْرِ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ، كَمَا فِي خَبَرِ أَبِي أَيُّوبَ t أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ مِنْ عَظِيمِ الأَعْمَالِ فِي هَذَا الْيَوْمِ: أَنْ تَتَصَافَى الأَرْوَاحُ، وَتَتَعَانَقَ النُّفُوسُ، فَنَصِلَ أَرْحَاماً قَصَّرْنَا فِي وَصْلِهَا، وَنَتَعَاهَدَ جِيرَاناً غَفَلْنَا عَنْهُمْ، وَنُخَلِّصَ نُفُوساً مِنْ أَسْبَابِ الشَّحْنَاءِ، بِكَلِمَةٍ لَيِّنَةٍ وَابْتِسَامَةٍ تُشْرِقُ بِالإِخَاءِ؛ فَلاَ مَكَانَ لِلتَّخَاصُمِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلْتَكُنْ أَعْيَادُنَا مَقَابِرَ التَّشَاحُنِ وَالْحِقْدِ الدَّفِينِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ س أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلاَّ رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ].
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
أَخَوَاتِي الْمُسْلِمَاتِ:
مَا أَجْمَلَ أَنْ تَعْرِفَ الْمَرْأَةُ قِيمَةَ ذَاتِهَا! وَأَنَّهَا أَصِيلَةُ مُجْتَمَعَاتِهَا، فَتَنْشَغِلَ بِطَاعَةِ رَبِّهَا، وَتَجْتَنِبَ هَوَى نَفْسِهَا، فَتُحَافِظَ عَلَى الْفَرَائِضِ وَالأَرْكَانِ، وَتَلْزَمَ الْحِشْمَةَ وَالْعَفَافَ، رَاعِيَةً بَيْتَ زَوْجِهَا، حَانِيَةً عَلَى بَعْلِهَا وَوَلَدِهَا، )فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ( [النساء:34]، كُنَّ كُبْرَيَاتٍ فِي الْهِمَّةِ، عَلَى خُطَى صَالِحَاتِ هَذِهِ الأُمَّةِ، مَجَانِبَاتٍ لِسَبِيلِ الْمَذَمَّةِ، فَبِصَلاَحِكُنُّ تَحْسُنُ الأَحْوَالُ، وَفِي أَكْنَافِكُنَّ تَنْشأُ الأَجْيَالُ: )وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(  [التوبة:71-72].
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.
عِبَادَ اللهِ:
جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ يَخُصُّ الْمَقَابِرَ بِزِيَارَةِ أَقْرِبَائِهِ الأَمْوَاتِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ، وَقَبْلَ زِيَارَةِ الأَحْيَاءِ، وَهَذَا لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ، فَالْعِيدُ يَوْمُ فَرَحٍ وَسُرُورٍ، وَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ يَوْمِهِ لِزِيَارَةِ الأَمْوَاتِ، فَلْتَكُنْ زِيَارَتُهُمْ فِي أَيِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ السَّنَةِ، وَالدُّعَاءُ لَهُمْ كُلَّ وَقْتٍ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرِّضْوَانِ وَالْجَنَّةِ.
جَعَلَنِي اللهُ وَهَذِهِ الْوُجُوهَ الْكَرِيمَةَ مِنْ أَهْلِ الْفَوْزِ الْعَظِيمِ، وَأَسْعَدَنَا بِجِوَارِ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا جَمِيعاً مِمَّنْ قَبِلْتَ صِيَامَهُ وَقِيَامَهُ وَسَائِرَ أَعْمَالِهِ، اللَّهُمَّ انْصُرْ دِينَكَ وَكِتَابَكَ وَسُنَّةَ نَبِيِّكَ r وَعِبَادَكَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ انْصُرْ عِبَادَكَ فِي الشَّامِ وَفِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، وَوَفِّقِ - اللَّهُمَّ - أَمِيرَنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِهُدَاكَ، وَاجَعَلْ أَعْمَالَهُمَا فِي طَاعَتِكَ وَرِضَاكَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً دَارَ أَمْنٍ وَإِيمَانٍ وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ.


المصدر : موقع تغطية مباشر

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Top